العائدون إلى الله مجموعة من قصص التائبين(1)
مجموعة من قصص التائبين ، من مشاهير
وعلماء ودعاة وغيرهم يرونها بأنفسهم
المجموعة الأولى
(1) توبة الشيخ أحمد القطان [1]
الشيخ أحمد القطان من الدعاة المشهورين والخطباء المعروفين يروي قصة توبته فيقول:
إن في الحياة تجارب وعبراً ودروساً… لقد مررت في مرحلة الدراسة بنفسية متقلّبة حائرة… لقد درست التربية الإسلامية في مدارس التربية – ولا تربية – ثمانية عشر عاماً.
وتخرجت بلا دين… وأخذت ألتفت يميناً وشمالاً: أين الطريق؟ هل خلفت هكذا في الحياة عبثاً؟.. أحس فراغاً في نفسي وظلاماً وكآبةً.. أفر إلى البر… وحدي في الظلام لعلي أجد هناك العزاء، ولكن أعود حزيناً كئيباً.
وتخرجت في معهد المعلمين 1969م وفي هذه السنة والتي قبلها حدث في حياتي حدث غريب تراكمت فيه الظلمات والغموم إذ قام الحزب الشيوعي باحتوائي ونشر قصائدي في مجلاتهم وجرائدهم. والنفخ فيها. وأخذوا يفسرون العبارات والكلمات بزخرف من القول يوحي به بعضهم إلى بعض حتى نفخوا فيّ نفخة ظننت أنني أن الإمام المنتظر؟
وما قلت كلمة إلا وطبّلوا وزمّروا حولها… وهي حيلة من حيلهم. إذا أرادوا أن يقتنصوا ويفترسوا فرداً ينظرون إلى هويته وهوايته ماذا يرغب… يدخلون عليه من هذا المدخل.
رأوني أميل على الشعر والأدب فتعهّدوا بطبع ديواني نشر قصائدي وعقدوا لي الجلسات واللقاءات الأدبية الساهرة… ثم أخذوا يدسون السم في الدسم.
يذهبون بي إلى مكتبات خاصة ثم يقولون: اختر ما شئت من الكتب بلا ثمن فأحم كتباً فاخرة أوراقاً مصقولة… طباعة أنيقة عناوينها: (أصول الفلسفة الماركسية)، 0المبادئ الشيوعية) وهكذا بدءوا بالتدريج يذهبون بي إلى المقاهي الشعبية العامة، فإذا جلست معهم على طاولة قديمة تهتز… أشرب الشاي بكوب قديم وحولي العمال… فإذا مرّ رجل بسيارته الأمريكية الفاخرة قالوا: انظر، إن هذا يركب السيارة من دماء آبائك وأجدادك… وسيأتي عليك اليوم الذي تأخذها منه بالثورة الكبرى التي بذأت وستستمر… إننا الآن نهيئها في (ظفار) ونعمل لها، وإننا نهيئها في الكويت ونعمل لها، وستكون قائداً من قوادها.
وبينما أنا اسمع هذا الكلام أحسّ أن الفراغ في قلبي بدأ يمتلئ بشيء لأنك إن لم تشغل قلبك بالرحمن أشغله الشيطان… فالقلب كالرحى… يدور… فإن وضعت به دقيقاً مباركاً أخرج لك الطحين الطيب وإن وضعت فيه الحصى أخرج لك الحصى.
ويقدّر الله – سبحانه وتعالى - بعد ثلاثة شهور أن نلتقي برئيس الخلية الذي ذهب إلى مصر وغاب شهراً ثم عاد.
وفي تلك الليلة أخذوا يستهزئون بأذان الفجر… كانت الجلسة تمتد من العشاء إلى الفجر يتكلمون بكلام لا أفهمه مثل (التفسير المادي للتاريخ) و (الاشتراكية والشيوعية في الجنس والمال) …ثم يقولون كلاماً أمرّره على فطرتي السليمة التي لا تزال… فلا يمرّ…أحس أنه يصطدم ويصطكّ ولكن الحياء يمنعني أن أناقش فأراهم عباقرة… مفكرين… أدباء… شعراء… مؤلفين كيف أجرؤ أن أناقشهم فأسكت.
ثم بلغت الحالة أن أذّن المؤذّن لصلاة الفجر فلما قال (الله أكبر) أخذوا ينكّتون على الله ثم لما قال المؤذن (أشهد أن محمّدا رسول الله) أخذوا ينكّتون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وهنا بدأ الانفعال الداخلي والبركان الإيماني الفطري يغلي وإذا أراد الله خيراً بعباده بعد أن أراه الظلمات يسرّ له أسباب ذلك إذا قال رئيس الخلية: لقد رأيت الشيوعية الحقيقية في لقائي مع الأبنودي الشاعر الشعبي بمصر وهو الوحيد الذي رأيته يطبّقها تطبيقاً كاملاً.
فقلت: عجباً… ما علامة ذلك؟!!.
قال: (إذا خرجنا في الصباح الباكر عند الباب فكما أن زوجته تقبله تقبلني معه أيضاً وإذا نمنا في الفراش فإنها تنام بيني وبينه…) هكذا يقول… والله يحاسبه يوم القيامة فلما قال ذلك نَزَلَتْ ظلمة على عينيّ وانقباض في قلبي وقلت في نفسي: أهذا فكر؟!! أهذه حرية؟!! أهذه ثورة؟!! لا وربّ الكعبة إن هذا كلام شيطاني إبليسي!!
ومن هنا تجرأ أحد الجالسين فقال له: يا أستاذ مادمت أنت ترى ذلك فلماذا لا تدع زوجتكم تدخل علينا نشاركك فيها؟ قال: (إنني ما أزال أعاني من مخلفات البرجوازية وبقايا الرجعية. وسيأتي اليوم الذي نتخلص فيه منه جميعا...)
ومن هذه الحادثة بدأ التحول الكبير في حياتي إذ خرجت أبحث عن رفقاء غير أولئك الرفقاء فقدّر الله أن ألتقي باخوة في (ديوانية)
كانوا يحافظون على الصلاة... وبعد صلاة العصر يذهبون إلى ساحل البحر ثم يعودون وأقصى ما يفعلونه من مأثم أنهم يلعبون (الورقة).
ويقدّر الله أن يأتي أحدهم إلىّ ويقول: يا أخ أحمد يذكرون أن شيخاً من مصر اسمه (حسن أيوب) جاء إلى الكويت ويمدحون جرأته وخطبته، ألا تأتي معي؟ قالها من باب حبّ الاستطلاع..
فقلت: هيا بنا.. وذهبت معه وتوضأت ودخلت المسجد وجلستُ وصليتُ المغرب ثم بدأ يتكلم وكان يتكلم وافقاً لا يرضى أن يجلس على كرسي وكان شيخاً كبيراً شاب شعر رأسه ولحيته ولكن القوة الإيمانية البركانية تتفجر من خلال كلماته لأنه كان يتكلم بأرواح المدافع لا بسيوف من خشب.
وبعد أن فرغ من خطبته أحسستُ أني خرجت من عالم إلى عامل آخر.. من ظلمات إلى نور لأول مرة أعرف طريقي الصحيح وأعرف هدفي في الحياة ولماذا خلقت وماذا يراد مني وإلى أين مصيري..
وبدأت لا أستطيع أن أقدم أو أؤخر إلا أن أعانق هذا الشيخ وأسلّم عليه.
ثم عاد هذا الأخ يسألني عن انطباعي فقلت له: اسكت وسترى انطباعي بعد أيام..
عدتُ في الليلة نفسها واشتريت جميع الأشرطة لهذا الشيخ وأخذتُ أسمعها إلى أن طلعتِ الشمس ووالدتي تقدم لي طعام الإفطار فأردّه ثم طعام الغداء وأنا أسمع وأبكي بكاءً حارّاً وأحسّ أني قد ولدتُ من جديد ودخلتُ عالماً آخر وأحببتُ الرسول صلى الله عليه وسلم، وصار هو مثلي الأعلى وقدوتي وبدأتُ أنكبُ على سيرته قراءةً وسماعاً حتى حفظتها من مولده إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فأحسستُ أنني إنسان لأول مرة في حياتي وبدأت أعود فأقرأ القرآن فأرى كل آية فيه كأنها تخاطبني أو تتحدث عني (أوًمنْ كانَ ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها…) سورة الأنعام
نعم.. لقد كنت ميتاً فأحياني الله… ولله الفضل والمنة… ومن هنا انطلقتُ مرة ثانية إلى أولئك الرفقاء الضالين المضلين وبدأت أدعوهم واحداً واحداً ولكن… (إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)… أما أحدهم فقد تاب بإذن الله وفضله، ثم ذهب إلى العمرة فانقلبتْ به السيارة ومات وأجره على الله.
وأما رئيس الخلية فقابلني بابتسامة صفراء وأنا أناقشه أقول له: أتنكر وجود الله؟!! وتريد أن تقنعي بأن الله غير موجود؟!! فابتسم ابتسامة صفراء وقال: يا أستاذ أحمد.. إنني أحسدك لأنك عرفت الطريق الآن.. أما أنا فاتركني.. فإن لي طريقي ولك طريقك.. ثم صافحني وانصرفت وظل هو كما هو الآن؟
وأما البقية فمنهم من أصبح ممثلاً ومنهم من أصبح شاعراً يكتب الأغاني وله أشرطة (فيديو) يلقي الشعر وهو سكران... وسبحان الذي يُخرج الحي من الميت... ومن تلك اللحظة بدأت أدعو إلى الله رب العالمين.
(2) توبة والد الشيخ أحمد القطان
الشيخ أحمد القطان -جزاه الله خيراً- كان هو السبب -بعد توفيق الله- في هداية والده يروي لنا القصة فيقول [2]
أصيب والدي -رحمه الله- بمرض في الغوص حيث كانوا على ظهر سفينة فضربتهم صاعقة..
فقد كانوا داخلين في شط العرب يحملون التمور وكانت هناك سفينة كويتية معطلة تحتاج إلى بعض التصليح فطلب ربّان هذه السفينة من ربّان السفينة الأخرى التي فيها والدي أن يساعده فيجر معه (المحمل) حتى يخرجه من المكان الضحل إلى المكان العميق. فوعده أن يساعده في وقت آخر بعد أن يستقي الماء ويجره إلى المكان العميق إلا أنه كان مستعجلاً وكان محمّلا بضاعـة ثقيلة فلم يف بوعده إذ (خطف) بالليل خفيـة وترك صاحبه الذي وعده قال والدي -رحمه الله -: فلما خرجنا من الخليج العربي جاءت سحابة فوق السفينة فبرقت ورعدت ونزلت منها صاعقة على الشراع فاحترق كله..
فكان والدي ممن أصيب بهذه الصاعقة إذ أصيب بمرض أشبه بالشلل.
وكان التجار يلومون ربان السفينة ويقولون له: لو أنك ساعدت ذلك الرجل صاحب السفينة المعطلة لما حدث ما حدث... ولكن... قدرّ الله وما شاء فعل...
ثم عادوا بوالدي -رحمه الله- إلى بيته وأصبح مقعداً لا يستطيع المشي وأكل ما عنده من مدخرات حتى أصبح يخرج وهو يزحف إلى الشارع لعله يجد من يجود عليه ولو بكسرة خبز.
ولما بلغت به هذه الحالة وامتد مرضه ما يقارب العشر سنوات وهو جالس البيت بلا علاج وصفوا له شيخاً من المنتسبين للدين يقرأ على الناس الآيات والأحاديث للاستشفاء. واستدعي ذلك الشيخ الذي يسمونه (الملا) وكان أول سؤال وجّهه إلى والدي -مع الأسف الشديد- : (كم تدفع على هذه القراءة؟!فقال والدي -رحمه الله- : أنا رجل فقير ومقعد وليس معي في جيبي إلا هذه النصف روبية هي ثمن طعامي أنا ووالدتي.. فقال (الملا) هذه لا تكفي .. وطلب أكثر من ذلك.. فلما لم يعطه والدي ما يريد خرج ولم يقرأ عليه شيئاً.
وهنا أحسّ والدي بامتعاض شديد وتولد عنده ردّ فعل عنيف جعله يكره الدين ويكره من ينتسب إلى هذا الدين... وأصبحت هذه الحادثة دائماً على لسانه لاسيما وأنه كان فصيحاً وذكياً يقول الشعر ويضرب الأمثال.. فسلط تلك الفصاحة وذلك الذكاء للسخرية بالمتدينين بسبب ذلك الموقف الذي وقفه ذلك الملا.
ومرت الأيام...
ويقدر الله -جل وعلا- أن يأتيه رجل فيقول له: لماذا لا تذهب إلى المستشفى (الأمريكاني) الذي يمدحه الناس ويثنون عيه وفيه طبيب جيد اسمه سكيدر... الخ وهو مستشفى تابع لإرساليات التبشير (النصرانية) التي تعمل لتنصير المسلمين أو إخراجهم من دينهم على الأقل..
فقال والدي ولكن كيف أستطيع الوصول إلى هذا المستشفى وهو بعيد عني بيتي وأنا لا أستطيع المشي.
ولم تكن في ذلك الوقت مواصلات تنقلهم كما هو الآن إلا عند أناس يعدون على الأصابع ومن هؤلاء المعدودين ذلك المستشفى المذكور حيث كان يملك سيارة وعند الدكتور سكيدر..
وعند أذان الفجر زحف والدي رحمه الله على فخذيه من بيته إلى المستشفى (الأمريكاني) فما وصله –زحفاً- إلا قبيل الظهر وكان ذلك في فصل الصيف.
يقول رحمه الله : فلما وصلت إلى جدار المستشفى لم تبق فيّ قطرة ماء لا في فمي ولا في عيني ولا جسمي... وأحسست أن الشمس تحرقني وأكاد أموت حتى إني لا أستطيع أن أتكلم أو أصرخ أنادي.. فدنوت من الجدار ونمت وبدأت أتشهد استعداداً للموت.
يقول: ثم أغمي عليّ وظننت أني متّ فلما فتحت عيني إذا أنا في بيتي وبجواري دواء..
قال: فسألت الناس الذين كانوا يعالجون في المستشفى: ماذا حدث؟ فقالوا: إن الناس قد أخبروا الطبيب بأن هناك رجلاً قد أغمي عليه عند جدار المستشفى فنظر من النافذة فرآه فنزل مع الممرضين وحملوه ودخلوا به ثم بعد ذلك قام بتشخيصه تشخيصاً كاملاً حتى عرف المرض وأعطاه حقنة ثم بعد ذلك أعطاه الدواء وحمله بسيارته الخاصة وأوصله إلى البيت.
قال والدي -رحمه الله-: فلما وضعتُ يدي في جيبي وجدتُ بها خمس روبيات فسألت: من الذي وضع هذه الروبيات في جيبي؟ فقالت الوالدة وضعها الدكتور الذي أحضرك إلى هنا!!!.
وهنا يظهر الفرق الكبير بين ما فعله هذا (المبشر) النصراني وبين ما فعله ذلك (الملا) سامحه الله.
إن هذا النصراني لم يدعُ والدي إلى دينه بطريقة مباشرة وإنما أحسن معه المعاملة لكي يستميل قلبه ومن أصول الإرساليات التبشيرية (التنصيرية) التي تدرس لهم وقرأناه في الكتب ودرسناها نحن أنه ليس من الشرط أن تجعل المسلم نصرانياً.. -إن جعلته نصرانياً فهذا تشريف للمسلم (هكذا يقولون)- ولكن إذا عجزت أن تجعله نصرانياً فاحرص على أن تتركه بلا دين فإن تركته بلا دين فقد حققت المطلب الذي نريد.
الشاهد أن الوالد رحمه الله شُفي وقام يمشي وظل ذلك الطبيب يزوره في كل أسبوع مرة ويتلطف معه ويمسح عليه وينظفه ويعالجه إلى أن تحسنت صحته وقام يمشي وبدأ يعمل ثم بعد تزوج فلما رزقه الله بابنه الأول -وهو أنا- ظل ولاؤه لهذا الطبيب لدرجة أنني لما بلغت الخامسة من عمري وبدأت أعقل بعض الأمور كان يأخذني كل أسبوع في زيارة مخصصة إلى ذلك الدكتور ويلقنني منذ الصغر ويقول: انظر إلى هذا الرجل الذي أمامك. إنه هو سبب شفاء والدك.. هذا الذي كان يعالجني في يوم من الأيام ويضع في جيبي خمس روبيات بينما يرفض (الملا) علاجي لأني لا أملك هذه الروبيات..ثم يأمرني بتقبيل يده.. فأقوم أنا وأقبل يده.
واستمرت هذه الزيادة المخصصة لذلك الدكتور إلى أن بلغت العاشرة من عمري.. في كل أسبوع زيارة وكأنها عبادة.. يدفعني إليه دفعاً لكي أقبّل يده.
ثم بعد ذلك استمر والدي يسخر من المتدينين ويستهزئ بهم، فلما هداني الله إلى الطريق المستقيم وأعفيت لحيتي بدأ يسخر ويستهزئ باللحية.
فقلت في نفسي: إنه من المستحيل أن أنزع صورة ذلك (الملا) من رأسه وصورة ذلك الدكتور من رأسه أيضاً إلا أن أحسن المعاملة معه أكثر من (الملا) وأكثر من الدكتور وبدون ذلك لن أستطيع.
فظللت أنتظر الفرصة المناسبة لذلك طمعاً في هداية والدي. وجاءت الفرصة المنتظرة.. ومرض الوالد مرضاً عضالاً.. وأصبح طريح الفراش في المستشفى حتى إنه لا يستطيع الذهاب إلى مكان قضاء الحاجة إذا أراد ذلك وكنتُ أنا بجواره ليلاً ونهاراً فقلتُ في نفسي هذه فرصة لا تقدّر بثمن.
وفي تلك الحال كان -رحمة الله عليه- يتفنّن في مطالبة يختبرني هل أطيعه أم لا؟
ومن ذلك أنه في جوف الليل كان يأمرني بأن أحضر له نوعاً من أنواع الفاكهة لا يوجد في ذلك الوقت فأذهب وأبحث في كل مكان حتى أجدها في تلك الساعة المتأخرة ثم أقدمها له فلا يأكلها.. فإذا أراد أن يقضي الحاجة لا يستطيع القيام فأضع يدي تحت مقعدته حتى يقضي حاجته في يدي.. ويتبول في يدي.. وأظل واضعاً يدي حتى ينتهي من قضاء الحاجة، وهو يتعجّب من هذا السلوك... ثم أذهب إلى دورة المياه وأنظف يدي مما أصابهما.
وقد تكررت هذه الحادثة في كل عشر دقائق مرة.. نظراً لشدة المرض حتى أنني في النهاية لم أتمكن من وضع يدي كلما تبرز أو تبول.. لكثرة ذلك.
فلما رأى والدي هذا التصرف يتكرر مني أكثر من مرة أخذ يبكي.. فكان هذه البكاء فاتحة خير وإيمان في قلبه.. ثم قال لي: إنني ما عرفت قيمتك إلا في هذه اللحظة.
ثم سألني: هل جميع هؤلاء الشباب المتدينين مثلك؟.. قلت له: بل أحسن مني، ولكنك لا تعرفهم.. وكانوا يزورونه ويسلمون عليه.
فبدأ يصلي ويصوم ويحب الدين ويذكر الله.. ولا يفتر لسانه عن ذكر الله وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأسبغ الله عليه هذا الدين فقلتُ: سبحان الله.. حقاً إن الدين هو المعاملة.
(3) الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني
في لقاء مفتوحٍ مع الشيخ سعيد بن مسفر -حفظه الله- طلب منه بعض الحاضرين أن يتحدث عن بداية هدايته فقال:
حقيقةً.. لكل هداية بداية… ثم قال بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنتُ في سن الصغر أمارس العبادات كان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأن أبلغ مبلغ الرجال فكنتُ أتساهل في فترات معينة بالصلاة فإذا حضرتُ جنازة أو مقبرة، أو سمعتُ موعظةً في مسجد ازدادتْ عندي نسبة الإيمان فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنن ثم بعد أسبوع أو أسبوعين أترك السنن... وبعد أسبوعين أترك الفريضة حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلى..
وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم لم أستفد من ذلك المبلغ شيئاً وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة لأن من شبّ علي شيء شاب عليه.
وتزوجت... فكنت أصلي أحياناً وأترك أحياناً على الرغم من إيماني الفطري بالله.. حتى شاء الله -تبارك وتعالى- في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله وهو الشيخ سليمان بن محمد بن فايع -بارك الله فيه- وهذا كان في سنة 1387هـ نزلت من مكتبي -وأنا مفتش في التربية الرياضية- وكنتُ ألبس الزي الرياضي والتقيتُ به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشئون المالية فحييته لأنه كان زميل الدراسة وبعد التحية أردتُّ أن أودعه فقال لي إلى أين؟ -وكان هذا في رمضان- فقلت له: إلى البيت لأنام.. وكنت في العادة أخرج من العمل ثم أنام إلى المغرب ولا أصلى العصر إلا إذا استيقظت قبل المغرب وأنا صائم.. فقال لي: لم يبق على صلاة إلا قليلاً فما رأيك لو نتمشى قليلا؟ فوافقته على ذلك ومشينا على أقدامنا وصعدنا إلى السد (سد وادي أبها) -ولم يكن آنذاك سداً- وكان هناك غدير وأشجار ورياحين طيبة فجلسنا هناك حتى دخل وقت صلاة العصر وتوضأنا وصلينا ثم رجعنا وفي الطريق ونحن عائدون… ويده بيدي قرأ علي حديثاً كأنما أسمعه لأول مرة وأنا قد سمعته من قبل لأنه حديث مشهور… لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له حتى كأني أسمعه لأول مرة… هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يُلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر – قالها مرتين أو ثلاثاً – ثم قال (إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه..) الحديث.
فذكر الحديث بطوله من أوله إلى آخره وانتهى من الحديث حينما دخلنا أبها وهناك سنفترق حيث سيذهب كل واحد منا إلى بيته فقلت له: يا أخي من أين أتيت بهذا الحديث؟ قال: هذا الحديث في كتاب رياض الصالحين فقلت له: وأنت أي كتاب تقرأ؟ قال أقرأ كتاب الكبائر للذهبي.. فودعته.. وذهبتُ مباشرة إلى المكتبة -ولم يكن في أبها آنذاك إلا مكتبة واحدة وهي مكتبة التوفيق- فاشتريتُ كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين وهذان الكتابان أول كتابين أقتنيهما.
وفي الطريق وأنا متوجه إلى البيت قلت لنفسي: أنا الآن على مفترق الطريق وأمامي الآن طريقان الطريق الأول طريق الإيمان الموصل إلى الجنة، والطريق الثاني طريق الكفر والنفاق والمعاصي الموصل إلى النار وأنا الآن أقف بينهما فأي الطريقين أختار؟
العقل يأمرني باتباع الأول… والنفس الأمارة بالسوء تأمرني باتباع الطريق الثاني وتمنيني وتقول لي: إنك مازلت في ريعان الشباب وباب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة فبإمكانك التوبة فيما بعد.
هذه الأفكار والوساوس كانت تدور في ذهني وأنا في طريق إلى البيت... وصلتُ إلى البيت وأفطرت وبعد صلاة المغرب صليت العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح ولم أذكر أني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة.. وكنت قبلها أصلي ركعتين فقط ثم أنصرف وأحياناً إذا رأيت أبي أصلي أربعاً ثم أنصرف.. أما في تلك الليلة فقد صليت التراويح كاملةً.. وانصرفت من الصلاة وتوجهت بعدها إلى الشيخ سليمان في بيته، فوجدته خارجاً من المسجد فذهبت معه إلى البيت وقرأنا في تلك الليلة -في أول كتاب الكبائر- أربع كبائر الكبيرة الأولى الشرك بالله والكبيرة الثانية السحر والكبيرة الثالثة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والكبيرة الرابعة كبيرة ترك الصلاة وانتهينا من القراءة قبل وقت السحور فقلت لصاحبي: أين نحن من هذا الكلام فقال: هذا موجود في كتب أهل العلم ونحن غافلون عنه.. فقلت: والناس أيضاً في غفلة عنه فلابدّ أن نقرأ عليهم هذا الكلام.
قال: ومن يقرأ؟ قلت له: أنت. قال: بل أنت واختلفنا من يقرأ وأخيراً استقر الرأي علي أن أقرأنا.
فأتينا بدفتر وسجّلنا فيه الكبيرة الرابعة كبيرة ترك الصلاة. وفي الأسبوع نفسه، وفي ويوم الجمعة وقفت في مسجد الخشع الأعلى الذي بجوار مركز الدعوة بأبها -ولم يكن في أبها غير هذا الجامع إلا الجامع الكبير- فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي كانت سبباً -ولله الحمد- في هدايتي واستقامتي وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه إنه سميع مجيب.
(4) توبة الممثلة شمس البارودي [3]
في حوار أجرته إحدى الصحف مع شمس البارودي الممثلة المعروفة التي اعتزلت التمثيل وردّاً على سؤال عن سبب هدايتها قالت:
البداية كانت في نشأتي.. والنشأة لها دور مهم. والدي -بفضل الله- رجل متدين، التدين البسيط العادي.. وكذلك كانت والدتي -رحمهما الله- كنت أصلي ولكن ليس بانتظام.. كانت بعض الفروض تفوتني ولم أكن أشعر بفداحة ترك فرض من فروض الصلاة.. وللأسف كانت مادة الدين في المدارس ليست أساسية وبالطبع لم يكن يرسب فيها أحد ولم يكن الدين علماً مثل باقي العلوم الأخرى الدنيوية.. وعندما حصلت على الثانوية العامة كانت رغبتي إما في دخول كلية الحقوق أو دراسة الفنون الجميلة، ولكن المجموع لم يؤهلني لأيهما.. فدخلت معهد الفنون المسرحية، ولم أكمل الدراسة فيه حيث مارست مهنة التمثيل.. وأشعر الآن كأنني دفعت إليها دفعاً.. فلم تكن في يوم من الأيام حلم حياتي ولكن بريق الفن والفنانين والسينما والتليفزيون كان يغري أي فتاة في مثلي سني -كان عمري آنذاك 16-17 سنة- خاصة مع قلة الثقافة الدينية الجيدة.
وأثناء عملي بالتمثيل كنت أشعر بشيء في داخلي يرفض العمل حتى أنني كنت أظل عامين أو ثلاثة دون عمل حتى يقول البعض: إنني اعتزلت..
والحمد لله كانت أسرتي ميسورة الحال من الناحية المادية فلم أكن أعمل لحاجة مادية.. وكنت أنفق العائد من عملي على ملابسي ومكياجي وما إلى ذلك.. استمر الوضع حتى شعرت أني لا أجد نفسي في هذا العمل.. وشعرتُ أن جمالي هو الشيء الذي يُستغل في عملي بالتمثيل.. وعندها بدأت أرفض الأدوار التي تُعرض عليً، والتي كانت تركز دائماً على جمالي الذي وهبني الله إياه وعند ذلك قلّ عملي جداً.. كان عملي بالتمثيل أشبه بالغيبوبة.. كنت أشعر أن هناك انفصاماً بين شخصيتي الحقيقية والوضع الذي أنا فيه.. وكنت أجلس أفكر في أعمالي السينمائية التي يراها الجمهور.. ولم أكن أشعر أنها تعبّر عني، وأنها أمر مصطنع، كنت أحسّ أنني أخرج من جلدي.
وبدأت أمثل مع زوجي الأستاذ حسن يوسف في أدوار أقرب لنفسي فحدثت لي نقلة طفيفة من أن يكون المضمون لشكلي فقط بل هناك جانب آخر. أثناء ذلك بدأت أواظب على أداء الصلوات بحيث لو تركت فرضاً من الفروض استغفر الله كثيراً بعد أن أصلّيه قضاءً.. وكان ذلك يحزنني كثيراً.. كل ذلك ولم أكن ألتزم بالزي الإسلامي.
وقبل أن أتزوج كنتُ أشتري ملابس من أحدث بيوت الأزياء في مصر وبعد أن تزوجت كان زوجي يصحبني للسفر خارج مصر لشراء الملابس الصيفية والشتوية!!.. أتذكر هذا الآن بشيء من الحزن، لأن مثل هذه الأمور التافهة كانت تشغلني.
ثم بدأت أشتري ملابس أكثر حشمةً، وإن أعجبني ثوب بكمّ قصير كنت أشتري معه (جاكيت) لستر الجزء الظاهر من الجسم.. كانت هذه رغبة داخلية عندي.
وبدأت أشعر برغبة في ارتداء الحجاب ولكن بعض المحيطين بي كانوا يقولون لي: إنكِ الآن أفضل!!!.
بدأت أقرأ في المصحف الشريف أكثر.. وحتى تلك الفترة لم أكن قد ختمت القرآن الكريم قراءة، كنت أختمه مع مجموعة من صديقات الدراسة.. ومن فضل الله أنني لم تكن لي صداقات في الوسط الفنـي، بل كانت صداقاتي هي صداقات الطفولة، كنت أجتمع وصديقاتي -حتى بعد أن تزوجت- في شهر رمضان الكريم في بيت واحدة منا نقرأ الكريم ونختمه وللأسف لم تكن منهن من تلتزم بالزي الشرعي.
في تلك الفترة كنت أعمل دائماً مع زوجي سواء كان يمثل معي أو يُخرج لي الأدوار التي كنت أمثلها.. وأنا أحكي هذا الآن ليس باعتباره شيئاً جميلاً في نفسي ولكن أتحدث عن فترة زمنية عندما أتذكرها أتمنى لو تمحى من حياتي ولو عدت إلى الوراء لما تمنيت أبداً أن أكون من الوسط الفني!!
كنت أتمنى أن أكون مسلمة ملتزمة لأن ذلك هو الحق والله –تعالى- يقول: (وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليَعبدون).
كنت عندما أذهب إلى المصيف أتأخر في نزول البحر إلى ما بعد الغروب ومغادرة الجميع للمكان إلا من زوجي، وأنا أقول هذا لأن هناك من تظن أن بينها وبين الالتزام هُوَّةٌ واسعة ولكن الأمر -بفضل الله- سهل وميسور فالله يقول في الحديث القدسي: (ومن تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلى ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً).
وكانت قراءاتي في تلك الفترة لبرجسون وسارتر وفرويد وغيرهم من الفلسفات التي لا تقدم ولا تؤخر وكنت أدخل في مناقشات جدلية فلسفية وكانت عندي مكتبة ولكني أحجمت عن هذه القراءات دون سبب ظاهر.
كانت عند رغبة قوية في أداء العمرة وكنت أقول في نفسي: إنني لا أستطيع أن أؤدي العمرة إلا إذا ارتديت الحجاب لأنه غير معقول أن أذهب لبيت الله دون أن أكون ملتزمة بالزي الإسلامي.. لكن هناك من قلنَ لي: لا.. أبداً.. هذا ليس شرطاً.. كان ذلك جهلاً منهن بتعاليم الإسلام لأنهن لم يتغير فيهن شيء بعد أدائهن للعمرة.
وذهب زوجي لأداء العمرة ولم أذهب معه لخوفي أن تتأخر ابنتي عن الدراسة في فترة غيابي.. ولكنها أصيبت بنزلة شعبية وانتقلت العدوى إلى ابني ثم انتقلت إليّ فصرنا نحن الثلاثة مرضى فنظرت إلى هذا الأمر نظرة فيها تدبر وكأنها عقاب على تأخري عن أداء العمرة.
وفي العام التالي ذهبت لأداء العمرة وكان ذلك سنة 1982م في شهر (فبراير) وكنتُ عائدة في (ديسمبر) من باريس وأنا أحمل أحدث الملابس من بيوت الأزياء.. كانت ملابس محتشمة.. ولكنها أحدث موديل.. وعندما ذهبتُ واشتريت ملابس العمرة البيضاء كانت أول مرة ألبس الثياب البيضاء دون أن أضع أي نوع من المساحيق على وجهي ورأيت نفسي أكثر جمالا..
ولأول مرة سافرت دون أن أصاب بالقلق على أولادي لبُعدي عنهم وكانت سفرياتي تصيبني بالفزع والرعب خوفاً عليهم.. وكنت آخذهم معي في الغالب.
وذهبتُ لأداء العمرة مع وفد من هيئة قناة السويس.. وعندما وصلتُ إلى الحرم النبوي بدأت أقرأ في المصحف دون أن أفهمَ الآيات فهماً كاملاً لكن كان لدي إصرار على ختم القرآن في المدينة ومكة.. وكانت بعض المرافقات لي يسألنني: هل ستتحجبين؟ وكنت أقول: لا أعرف.. كنت أعلق ذلك الأمر على زوجي.. هل سيوافق أم لا... ولم أكن أعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وفي الحرم المكي وجدت العديد من الأخوات المسلمات اللائى كُنَّ يرتدين الخمار وكنت أفضل البقاء في الحرم لأقرأ القرآن الكريم وفي إحدى المرات أثناء وجودي في الحرم بين العصر والمغرب التقيتُ بإحدى الأخوات وهي مصرية تعيش في الكويت اسمها (أروى) قرأتْ عليّ أبياتاً من الشعر الذي كتبته هي فبكيت، لأنني استشعرت أنها مسّت شيئاً في قلبي وكنت في تلك الفترة تراودني فكرة الحجاب كثيراً ولكن الذي من حولي كانوا يقولون لي: انتظري حتى تسألي زوجك.. لا تتعجلي… أنت مازلتِ شابة… الخ) ولكن كانت رغبتي دائماً في ارتداء الحجاب قالت الأخت (أروى) :
فليقــولوا عـن حجابـــي *** لا وربـي لـن أبـــالــي
قـد حماني فيــه دينـــي *** وحبـــــاني بالجـــلال
زينتـي دومــاً حيـائــي *** واحتشــامي هـو مالـــي
ألأنــــي أتـــولــى *** عـــن متــاعٍ لـــزوالِ
لامنـي النـاس كـأنـــي *** أطلب الســـوء لحــالـي
كم لمحـت اللــوم منهـــم *** في حــديث أو ســــؤال
وهي قصيدة طويلة أبكي كلما تذكرتها… استشعرت تتحدث بلسان حالي… وأنها مست شغاف قلبي.
وبعد ذلك ذهبت لأداء العمرة لأخت لي من أبي توفيت وكنت أحبها كثير -رحمها الله- وبعد أداء العمرة لم أنم تلك الليلة واستشعرت بضيق في صدري رهيب وكأن جبال الدنيا تجثم فوق أنفاسي… وكأن خطايا البشر كلها تخنقني… كل مباهج الدنيا التي كنت أتمتع بها كأنها أوزار تكبلني… وسألني والدي عن سبب أرقي فقلت له: أريد أن أذهب إلى الحرم الآن… ولم يكن الوقت المعتاد لذهابنا إلى الحرم قد حان ولكن والدي -وكان مجنداً نفسه لراحتي في رحلة العمرة- صحبني إلى الحرم… وعندما وصلنا أديتُ تحية المسجد وهي الطواف وفي أول شوط من الأشواط السبعة يسّر الله لي الوصول إلى الحجر الأسود ولم يحضر على لساني غير دعاء واحد… لي ولزوجي وأولادي وأهلي وكل من أعرف… دعوت بقوة الإيمان… ودموعي تنهمر في صمت ودون انقطاع… طوال الأشواط السبعة لم أدعُ إلا بقوة الإيمان وطوال الأشواط السبعة أصل إلى الحجر الأسود وأقبّله، وعند مقام إبراهيم عليه السلام وقفت لأصلي ركعتين بعد الطواف وقرأت الفاتحة، كأني لم أقرأها طوال حياتي واستشعرت فيها معانٍ اعتبرتها منة من الله، فشعرت بعظمة فاتحة الكتاب… وكنت أبكي وكياني يتزلزل… في الطواف استشرت كأن ملائكة كثيرة حول الكعبة تنظر إلي… استشعرت عظمة الله كما لم أستشعرها طوال حياتي.
ثم صليت ركعتين في الحِجر وحدث لي الشيء نفسه كل ذلك كان قبل الفجر… وجاءني والدي لأذهب إلى مكان النساء لصلاة الفجر عندها كنت قد تبدلت وأصبحت إنسانة أخرى تماماً. وسألني بعض النساء: هل ستتحجّبين يا أخت شمس؟ فقلت: بإذن الله… حتى نبرات صوتي قد تغيرت… تبدلت تماماً… هذا كل ما حدث لي… وعدتُّ ومن بعدها لم أخلع حجابي… وأنا الآن في السنة السادسة منذ ارتديته وأدعو الله أن يُحسن خاتمتي وخاتمتنا جميعاً أنا وزوجي وأهلي وأمة المسلمين جمعاء.
(5) توبة شاب عاق لأمه[4]
ح. ح. م. شابّ ذهبت إلى الخارج… تعلم وحصل على شهادات عالية ثم رجع إلى البلاد… تزوج من فتاة غنية جميلة كانت سبباً في تعاسته لولا عناية الله… يقول ح. ح. م:
مات والدي وأنا صغير فأشرفتْ أمي على رعايتي… عَمِلَتْ خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تصرف علي، فقد كنت وحيدها… أدخلتني المدرسة وتعلمتُ حتى أنهيت الدراسة الجامعية… كنت بارّاً بها… وجاءت بعثتي إلى الخارج فودّعتني أمي والدموع تملأ عينيها وهي تقول لي: انتبه يا ولدي على نفسك ولا تقطعني من أخبارك… أرسل لي رسائل حتى أطمئن على صحتك.
أكملتُ تعليمي بعد مضي زمن طويل ورجعت شخصاً آخر قد أثّرتْ فيه الحضارة الغربية… رأيتُ في الدين تخلفاً ورجعية… وأصبحتُ لا أؤمن إلا بالحياة المادية -والعياذ بالله-.
وتحصلتُ على وظيفة عالية وبدأت أبحث عن الزوجة حتى حصلت عليها وكانت والدتي قد اختارت لي فتاة متدينة محافظة ولكني أبيتُ إلا تلك الفتاة الغنية الجميلة لأني كنتُ أحلم بالحياة (الأرستقراطية) (كما يقولون)… وخلال ستة أشهر من زواجي كانتْ زوجي تكيد لأمي حتى كرهتُ والدتي… وفي يوم من الأيام دخلت البيت وإذا بزوجي تبكي فسألتها عن السبب فقالت لي: شوف يا أنا يا أمك في هذا البيت… لا أستطيع أن أصبر عليها أكثر من ذلك.
جنّ جنوني وطردتُّ أمي من البيت في لحظة غضب فَخَرجَتْ وهي تبكي وتقول: أسعدك الله يا ولدي.
وبعد ذلك بساعات خَرجتُ أبحث عنها ولكن بلا فائدة… رجعتُ إلى البيت واستطاعت زوجتي بمكرها وجهلي أن تنسيني تلك الأم الغالية الفاضلة.
انقطعت أخبار أمي عني فترة من الزمن أُصِبْتُ خلالها بمرض خبيث دخلت على إثره المستشفى… وعَلِمتْ أمي بالخبر فجاءت تزورني، وكانت زوجتي عندي وقبل أن تدخل علي طردتْها زوجتي وقالت لها: ابنك ليس هنا… ماذا تريدين منا… اذهبي عنا… رجعت أمي من حيث أتت!.
وخرجتُ من المستشفى بعد وقت طويل انتكستْ فيه حالتي النفسية وفقدت الوظيفة والبيت وتراكمت علي الديون وكل ذلك بسبب زوجتي فقد كانت ترهقني بطلباتها الكثيرة… وفي آخر المطاف ردت زوجتي الجميل وقالت: مادمتَ قد فقدت وظيفتك ومالك ولم يعد لك مكان في المجتمع فإني أعلنها لك صريحة: أنا لا أريد… طلقني.
كان هذا الخبر بمثابة صاعقة وقعتْ على رأسي… وطلقتها بالفعل… فاستيقظتُ من السُّباتِ الذي كنت فيه.
خرجتُ أهيم على وجهي أبحث عن أمي وفي النهاية وجدتها ولكن أين وجدتها؟!! كانت تقبع في أحد الأربطة تأكل من صدقات المحسنين.
دخلت عليه… وجدتها وقد أثر عليها البكاء فبدت شاحبة… وما إن رأيتها حتى ألقيتُ بنفسي عند رجليها وبكيتُ بكاءً مرّاً فما كان منها إلا أن شاركتني البكاء.
بقينا على هذه الحالة حولي ساعة كاملة… بعدها أخذتُّها إلى البيت وآليت على نفسي أن أكون طائعاً لها وقبل ذلك أكون متبعاً لأوامر الله ومجتنباً لنواهيه.
وها أنا الآن أعيش أحلى أيامي وأجملها مع حبيبة العمر: أمي -حفظها الله- وأسأل الله أن يُديم علينا الستّر والعافية.
(6) توبة فتاة نصرانية [5]
(سناء) فتاة مصرية نصرانية، كتب الله لها الهداية واعتناق الدين الحق بعد رحلة طويل من الشكّ والمعاناة، تروي قصة هدايتها فتقول:
(نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والديَّ على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبّل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقناً إياهم عقيدة التثليث، ومؤكداً عليهم بأغلظ الإيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الربّ، لأنهم -حسب زعمه- كفرة ملاحدة.
كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيري من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس.
كبرت قليلاً، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس… وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلّى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن، وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار -غير المحاربين- معاملة طيب طمعاً في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المُقسطين).
إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت -كما جرى النظام- أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية.
كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون -حسب افتراضات المسيحيين- غير مؤمنين وهو على مثل هذا الخُلق الكريم وطيب المعشر؟! لكني أم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوماً وسألت، فجاء سؤالي مفاجأةً للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفيتها وخاطبتني قائلة: (إنك مازلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار…).
صمتُّ على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية، وغير المنطقية.
وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة: (لقد فكرتُ في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشنا سوياّ فلم أجد هذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله).
تقبّلت هدية صديقتي المسلمة شاكرة فرحة، وحرصت على إخفائها عن أعين أسرتي التي ما كانت لتقبل أن تحمل ابنتهم المصحف الشريف.
وبعد أن رَحَلَتْ صديقتي المسلمة، كنت كلما تناهى إليّ صوت المؤذن، منادياً للصلاة، وداعياً المسلمين إلى المساجد، أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يُفاجأني أحد أفراد الأسرة، فيحدث لي ما لا تُحمد عُقباه.
ومرت الأيام، وتزوجت من (شماس) كنيسة العذراء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية، حملت هدية صديقتي المسلمة (المصحف الشريف)، وأخفيته بعيداً عن عني زوجي، الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفيّة ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال.
وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيتُ بزميلات مسلمات متحجبات، ذكرني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور، يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي، دون أن أدري لذلك سبباً محدداً، إذ كنت لا أزال غير مسلمة، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها، ومن مالها يطعم أسرته.
وبمرور الوقت، وبمجاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين، وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القس والمتعصبين النصارى.
بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام، وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلي أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز، علي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيري، وجذبتني تلاوة الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسستُ وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي.
وعمدتُ يوماً أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي، وبيد مرتعشة أخرجتُ كنزي الغالية (المصحف الشريف)، فتحته وأنا مرتبكة، فوقعت عيناي على قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون). ارتعشت يدي أكثر، وتصبب وجهي عرقاً، وسرتْ في جسمي قشعريرة، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثيراً في الشارع والتلفاز والإذاعة، وعند صديقاتي المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرةً بنفسي.
هممتً أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفتاح زوجي وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك، فأسرعت وأخفيت والمصحف الشريف في مكانه الأمين، وهرعت لأستقبل زوجي.
وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبتُ إلى عملي، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها وضعتْ الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام، أهو ابن الله كما يزعم القسيس -تعالى الله عما يقولون- أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن؟! فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين، معلنة أن عيسى، عليه السلام، من صلب آدم، فهو إذا ليس ابن الله، فالله سبحانه وتعالى: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدٌ).
تساءلت في نفسي عن الحلّ وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن (لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، أيمكن أن أشهر إسلامي؟! وما موقف أهلي مني، بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي؟!
طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أؤدي عملي لكني لم أستطع، فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلّها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة.
ولأسابيع ظللتُ مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة، لكني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملاً إلا بشق الأنفس.
وجاء اليوم الموعود، اليوم الذي تخلصتُ فيه من كل شك وخرف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان فبينما كنتُ جالسة ساهمة الفكر، شاردة الذهن، أفكر فيما عقدتُّ العزم عليه، تناهى إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعياً المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي، فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفتُ بلا مقدما لأهتف بصوت عالٍ بين ذهول زميلاتي: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله)، فأقبل عليّ زميلاتي وقد تحيرنَ من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطتُ أنا أيضا معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي، وأن يرضى عليّ في حياتي الجديدة.
كان طبيعياً أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى، اللواتي تكلفن -بين مشاعر سخطهن- بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددنَ عني مدّعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى.
لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات: أن أشهر إسلامي بصورة رسمية، كي يصبح إسلامي علناً، وبالفعل توجهتُ إلى مديرية الأمن حيث أنهيتُ الإجراءات اللازمة لإشهار إسلامي.
وعدتُ إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لديّ من مجوهرات ومال وأثاث، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قَبَل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط عليّ للعودة إلى ظلام الكفر... آلمني مصير أولادي، وخفتُ عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر.
رفعتُ ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلىّ أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي، إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي، فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرتْ زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني، فقد أصبحتُ بدخولي في الإسلام لا أحلُّ لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق، فحكمتِ المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضتْ بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين، لكونهم لم يبلغوا الحُلم، ومن ثم يلتحقون بالمسلم من الوالدين.
حسبت أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضاً، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنوياتي ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية إلي كنت أعرفها، وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي.
وبالرغم من كل المضايقات ظللتُ قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني، رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردَّتي عن دين الحق، ورفعتُ يديّ بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء، أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي، وأن يفرّج كربي.
فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب، وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة، فقيرة المال، غنية النفس، لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرتْ هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضتْ عليّ أن تزوجني بابنها الوحيد (محمد) لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلاً وافقتُ، وتزوجتُ محمداً ابن الأرملة المسلمة الطيبة.
وأنا الآن أعيش اليوم مع زوجي المسلم (محمد) وأولادي، وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال، على الرغم مما نعانيه من شظف العيش، وما نلاقيه من حقد زوجي السابق، ومعاملة أسرتي المسيحية.
ولا أزال بالرغم مما فَعَلَته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك عليه -سبحانه وتعالى- بعزيز.
(7) توبة حدث [6]
يروي أحد المدرسين في دار الملاحظة -وهي دار مخصصة للأحداث الذين يرتكبون الجرائم الأخلاقية أو غيرها من الجرائم- يقول:
من أعجب الحالات التي قابلتنا في ميدان العمل الاجتماعي حالة (حَدَث) كان موجوداً لدينا في الدار محكوماً عليه في قضية (أخلاقية). فبعد انتهاء مدته في الدار قمت بإبلاغه بانتهائها وأنه سيُطلَق سراحه في الأسبوع القادم ومطلوب منه إبلاغ أهله في الزيارة لإحضار الكفالة اللازمة… فانخرط الحدث في بكاء شديد ظننت في البداية أنه دموع الفرح لخروجه من الدار ولكن استمرار البكاء وتعبيرات الحزن والقلق على وجهه جعلتني أنتحي به بعيداً عن إخوانه وأسأله عن سبب ذلك… فإذا به يقول: لا لأريد أن أطلع من الدار... أرجو إبقائي هنا…!! ماذا تقول؟ قلتها وأنا في دهشة… قال: أريد أن أبقى في الدار فالدار بالرغم مما بها من قيود لحريتي فهي أفضل من بيت أبي…!!
قلت له: لا شك أنك مخطئ… فلا يوجد مكان أفضل من منزل الأسرة… رد قائلا: اسمع قصتي واحكم بنفسك.
قلت: هات ما عندك.
بدأ الحدث ابن الثالثة عشرة يروي قصته فقال: توفيتْ والدتي منذ حوالي ثمانية أعوام وتركتنْي أنا وشقيقة أصغر مني بعامين وبعد وفاتها بعدة شهور أبلغني أبي أنه سيتزوج… وستكون لي خالة في مقام أمي… لم أستوعب جيداً لصغر سني هذا الكلام… وبعد حوالي أسبوع أقام والدي حفل عرس كبير وجاءت زوجة ابي إلى المنزل.
عاملتنا خالتي في بداية الأمر معاملة طيبة ثم بدأت معاملتها تتغير بالتدرج فكانت دائمة الشكوى لوالدي كلما عاد إلى المنزل من عمله… فتقول له: ابنك عمل كذا وابنتك سوّت كذا… ولم يكن أبي الذي يعود مرهقاً من عمله لديه استعداد لسماع المشكلات وحلها كما أن صغر سننا وضعف قدرتنا أنا وشقيقتي على التعبير لم يكن يسمح لنا بالدفاع عن أنفسنا أمام القصص التي تختلقها زوجة أبي وتجيد حبكها وروايتها.
في البداية كان أبي ينصحنا وأحياناً يوبخنا… ثم تطور الأمر مع استمرار القصص والشكاوي إلى الضرب والسباب والإهانات وازداد الأمر سوءاً بعد أن رزق أبي بثلاثة أولاد من زوجته… وبمرور الأيام تحولتُ أنا وشقيقتي إلى خدم بالمنزل علينا أن نلبي طلبات خالتي وأبنائها فأنا مسئول عن شراء كل ما يحتاجه البيت من السوق وشقيقتي مسئولة عن التنظيف والعمل بالمطبخ… وكنا ننظر بحسد إلى أبناء أبي الذين يتمتعون بالحب والتدليل وتستجاب رغباتهم وطلباتهم… وكان أبي يشعر أنني أنا وشقي